Translate

الخميس، 29 أغسطس 2013

د. خالد سليمان هل هو صراع سياسي أم ديني!؟

هل هو صراع سياسي أم ديني!؟

الصراع سنة أًساسية حتمية سنها الله منذ بدء الوجود البشري، ولا يمكن للحياة أن تستقيم إلا بها، فالبشر الذين أعطاهم الله القدرة على الاختيار بين الخير والشر، والحق والباطل، والإيمان والكفر، كي يكونوا أهلا لتحمل مسؤولية أفعالهم والخضوع للحساب في الآخرة، سينحاز بعضهم ولا شك الى الجانب الشيطاني، مع ما سيترتب عن ذلك من ظلم وبغي واستغلال وتضييع للحقوق. ولذلك قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض...".


والحق الذي ربما يشتعل من أجله الصراع قد يكون حقا دنيويا، لا علاقة له بالدين، فعندما يدافع الموطن عن بلده ضد احتلال أجنبي غاشم، حتى وإن كان ذلك في بلد غير إسلامي، فإنه يدافع عن حق مشروع أمام باطل معتدي. والصراع قد ينشب بين باطل وباطل، كصراع المعسكر الرأسمالي مثلا مع نظيره الشيوعي. لكنه، أي الصراع، إذا تعلق بالدين الإسلامي ونشب بين فئة تدافع عن ذلك الدين وتطالب بوضعه موضع التطبيق، وأخرى تنادي بإقصاء دوره في قيادة المجتمع وحكمه، فإنه ولا شك صراع بين الحق والباطل، وهذا هو بالضبط ما نلاحظه بوضوح في الحالة المصرية.

وفي سياق الحديث عن ذلك الصراع، ينبغي طرح سؤل تأسيسي في منتهى الأهمية يغيب عن بال الكثيرين، مفاده: ما هو العنصر الأصيل المتجذر الثابت ومن هو الدخيل الطارئ المتغير في مصر، وفي تركيبة هويتها!؟

لا أظن أن أحدا يستطيع أن ينكر أن العنصر الأصيل المتجذر الثابت هو الإسلام، ليس فقط لانه شريعة سماوية جاءت من الله، بل لأنه أيضاً، وعلى مدار أكثر من ألف وأربعمائة سنة، كان العامل الحاسم في تشكيل الهوية الرئيسية لمصر وأهلها، ولا يجوز بحال من الأحوال، دينيا وتاريخيا، وضعه موضع المنافسة، أو حتى مجرد المقارنة مع اتجاهات سياسية وفكرية وضعية تطفلت على المجتمع المصري، نشأت بدورها في فضاءات غربية مغايرة، وتسلل إلينا معظمها مع الاستعمار. ذلك يعني أننا لا نملك الحق من حيث المبدأ لوضع الإسلام في سلة واحدة مع غيره، كالاتجاهات الليبرالية أو القومية أو اليسارية، العلمانية بوجه عام. ومن يفعل، فلسان حاله يقول لله عز وجل إن الفلسفة والإيديولوجية التي أتبنى هي أرفع وأحكم وأعدل وأصوب وأصلح من أحكامك! وتأملوا معي مصير هؤلاء الذين ينازعون الله تعالى في أحكامه ويتحدونه، حتى وإن ادعوا أنهم من المسلمين!

وقد يقول قائل من هؤلاء إننا لا نختلف مع الله ومع دينه، ولكننا نختلف مع الإسلاميين الذي يسيؤون فهم الإسلام وتطبيقه والتعبير عنه. وهذه كذبة بل خدعة كبيرة لعينة، فالإسلام ليس حكرا على أحد، ولا أحد أولى به من أحد، ولا أحد يحمل وكالته، الا بالقدر الذي يلتزم به باتباعه، فهو نظام مجرد في منتهى الوضوح والكمال، محفوظ ومبذول ومتاح مجانا لكل راغب بين دفتي كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وكافر به أو منافق خبيث هو من يتملص من اتخاذه مرجعية له، مفضلا عليه الترهات الوضعية، بحجة أن الإسلاميين لا يمثلونه أو يطبقونه بالشكل السليم! وإذا كان الإسلاميون فعلا لا يعبرون عن الإسلام الصحيح، فتفضل حضرتك وعبر عنه وطبقه، في خطوطه العريضة على الأقل، وفي ما هو معلوم منه بالضرورة حسب إجماع أهل العلم والفقه منذ قرون، وسنكون لك من الشاكرين، بل ومن التابعين! وفي نهاية المطاف، الاسلام مجرد نصوص مجردة لا تتحرك ولا تمشي لوحدها على قدمين، فهي تحتاج إلى من يطبقها ويترجمها الى سلوك على الأرض، فهل يمكن لمن يرفض تطبيق تلك النصوص، بل ويقاتل من يدعون إلى تطبيقها، مجتهدا في إبادتهم، بعد تشويههم وشيطنتهم، أن يدعي بأن له علاقة بالإسلام، إلا علاقة العداء والبغضاء!

ولكن دعونا من إرهاق أنفسنا في محاولة الوصول إلى تسمية للانقلابيين في مصر، من ناحية علاقتهم بالاسلام، على اعتبار أن الله تعالى هو وحده يعلم ما في القلوب والضمائر والنوايا والخفايا، وهو وحده سبحانه من يتحكم بمصائر عباده. لكن ذلك لا يتعارض على الإطلاق مع القول بأن من حق البشر الحكم على بعضهم، تبعا لما يتوافر لهم من وقائع ومؤشرات ومعلومات مشاهدة، فالناس شهداء على بعضهم على هذه الأرض، حسب سلوكهم الفعلي وتصريحاتهم ومواقفهم، ومن يشهد له الناس بالإيمان والصلاح تجب له الجنة، ومن يشهدون له بغير ذلك تجب له النار، كما ورد في الحديث النبوي الشريف. وبناء على كل ذلك يمكن أن نحكم إذا كان الناس يلتزمون الإسلام عن طريق رصد أفعالهم وأقوالهم وتحليلها، وتطبيق ذلك مع أفعال الانقلابيين وأقوالهم يظهر بوضوح أنهم لا يعارضون أحكام الاسلام فحسب، بل يشنون أيضا صراعا شرسا ضده، وان تم تغليف ذلك بإطار سياسي. وإليكم فيما يلي بعض الأدلة التي لا أظنها تحتمل الكثير من الجدال حول دلالاتها الصارخة:

ـ تصريح قادة الانقلاب، وعلى رأسهم السيسي ووزير خارجية عصابته، أنهم انقلبوا على مرسي كي يمنعوه من إقامة نظام إسلامي.

ـ تصريح رموز الانقلاب، مثل البرادعي وحمدين والببلاوي، اضافة الى ممثلين عن الجيش، أنهم يريدون دولة علمانية لا دين لها، يتم فيها فصل الدين نهائيا عن التدخل في شؤون إدارة الدولة.

ـ تصريح أعضاء كثر في لجنة صياغة الدستور أنهم يقومون بالفعل بالعمل على إنشاء دستور علماني خال تماما من الملامح الإسلامية، يحول دون مشاركة "الاسلام السياسي" في الحياة السياسية.

ـ تحمس الأقليات غير الاسلامية (مسيحيين، وشيعة، وبهائيين) للانقلاب على حكم مرسي، ومطالبتهم بعلمانية الدولة! بل وتصريح تواضروس بأن المادة الثانية من الدستور، تعود بالبلاد إلى عهد التخلف!!!

ـ معاملة الاسلاميين بطريقة غير مسبوقة على مستوى الاجرام والبشاعة، حتى وصل الأمر الى قتل الالاف منهم في وقت قياسي، ثم احراق جثثهم.

ـ اتهام الاسلاميين بانهم من الخوارج والارهابيين، وتحليل قتلهم على يد حفنة من فقهاء السلطان وعملاء امن الدولة المعروفين بنفاقهم، مثل علي جمعة واحمد الطيب وبرهامي وبكار وعمرو خالد.

ـ تدنيس حرمة المساجد، بمحاصرتها وقذفها بقنابل الغاز والرصاص، واقتحامها بالأحذية وتدمير محتوياتها، بل والإجهاز على من احتمى بها وحرق جثثهم وحرقها هي نفسها.

ـ محاربة المظاهر الاسلامية، حتى باتت اللحية والنقاب والخمار مظاهر مطاردة قد يتعرض اصحابها للمطاردة والاعتقال والتنكيل.

ـ تعمد المبالغة في إقحام اكثير من مشاهد العري والرذيلة في المسلسلات التي عرضت في شهر رمضان المبارك، كما اعترف بعض صناعها بذلك، استخفافا وتحديا ونكاية بكل ما هو إسلامي.

ـ مهاجمة رموز اسلامية على يد سفهاء الاعلام ودعاته، مثل عثمان بن عفان والبخاري وصلاح الدين الايوبي.

ـ تشويه العلماء والشيوخ والدعاة الحاملين لراية الاسلام، عبر تنظيم حملات موجهة في برمج الاعلام والمسلسلات لتشويههم، الى ان تم نزع أي قدر من الاحترام عنهم، وباتوا عرضة للتهجم والسخرية من جانب السفهاء والاراذل.

ـ اقحام ممارسات وثنية وشركية ضالة في الاعمال الفنية التي يشاهدها الملايين، والايحاء بانها ممارسات اسلامية لا تتعارض مع الدين ويجدر تقبلها والتسامح معها على انها تعبر عن سماحة الدين وتعدديته!

ـ تجرؤ الأقلية المسيحية لأول مرة في تاريخها على الخروج إلى الشارع والمجاهرة بالتبشير بالمسيحية وتوزيع المواد المتعلقة بذلك جهارا نهارا.

اعلان بعض "الفنانات" المتخصصات بتقمص الادوار الساقطة انهم سيقمن بتعليم الاسلاميين ما هو الاسلام الحقيقي!!!!!

بعد كل ذلك، أتساءل بصدق، إذا لم تكن كل تلك المظاهر المرعبة تعبر عن صراع ضار لتشويه الاسلام وتدميره، فعم تعبر اذن!؟

أخيرا، بقي أن أذكّر بتلك الآية الكريمة القائلة: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..."، فصلاح الأرض كما يتبين من الآية الكريمة مرتهن، بل لا يمكن أن يتحقق إلا بتدافع البشر وتصارعهم، وبأخذ الصالح منهم على يد الطالح وردعه عن غيه وضلاله، ومقاصصته على جرائمه، وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالقوة، وساذج أو جبان أو جاهل بدينه أو ساع إلى تحدي سنة الله من يتصور أن الحق يمكن أن تقوم له قائمة عى ظهر هذه الأرض دون توافر قوة مهابة تقيمه وتحميه، بما يتجاوز بالطبع اقتصار عشرات المايين على الدعاء كانهم من قواعد النساء!

د. خالد سليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...